(28)
كاسب بسيط يحظى برعاية الإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف*
كان المرحوم السيّد مهدي بحر العلوم رضوان الله تعالى عليه قد حظي بشرف اللقاء مع مولانا المفدّى الإمام المهدي الموعود عجّل الله تعالى فرجه الشريف مرّات عديدة. ونقلوا عنه ـ عندما كان مرجعاً للتقليد ـ أنّه سافر ذات مرّة من مدينة النجف الأشرف إلى مدينة الحلّة. وحين وصوله للحلّة استقبله الناس وكان كلّ واحد منهم يرجو السيّد أن ينزل في بيته. إلا أنّ السيّد سألهم عن عنوان واسم أحد كسبة المدينة، لكن أكثرهم لم يعرفه. وبعد أن بحثوا عنه تبيّن أنّ الذي سأل عنه السيّد هو كاسب عادي يملك دكّاناً بسيطاً في إحدى أحياء المدينة. فأخبروه بأنّ السيّد بحر العلوم يبحث عنك. ففرح الرجل، وعندما حضر سأله السيّد: هل تسمح لي أن أنزل في بيتك؟
فأجاب الرجل: أنت تمنّ عليّ بذلك، لكنّ بيتي صغير وبسيط جداً ولا يسع لاستقبال من يريد اللقاء بك.
فقال السيّد: سأنزل وحدي في بيتك وأجعل اللقاء بالناس في مكان آخر.
أمّا الناس فاعترضوا وقالوا للسيّد: هذا المكان لا يليق بكم كونكم أحد المراجع الكبار، ومحلّ تشرف كثير من الناس.
فأجابهم السيّد: سأحضر في أيّ وقت كان وفي أيّ مكان تنتخبونه أنتم للقاء الناس. فوافق الجميع على إصراره بتعجّب!
ثم بعد فترة من الزمن سألوا السيّد بحر العلوم عن سبب إصراره للنزول في بيت ذلك الكاسب البسيط. فقال رحمه الله: لقد أمرني سيدي ومولاي الحجّة بن الحسن عجّل الله تعالى فرجه الشريف بذلك.
قالوا: وهل سألت المولى عن سبب ذلك؟ قال: أنا مطيع له ولا يسعني سوى تنفيذ أمره.
قالوا: إنّ أهل البيت سلام الله عليهم كلامهم كلّه حكمة، فهل تستطيع أن تبيّن لنا سبب ذلك حسب قناعتك الشخصية؟
قال السيّد: عندما كنت ضيفاً عند الرجل أحببت كثيراً أن أجد فيه ما كان سبباً في رعاية المولى صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف له فوجدت حياته بسيطة وكان متديّناً بسيطاً، لكنه كان ملتزماً بالفرائض كلّها. وعندما أخبرته أنّي أُمرت من قبل المولى عجّل الله تعالى فرجه الشريف بالنزول في بيته، تعجّب وفرح وبكى!
ثم قال: إنّي كاسب بسيط وإنّ تركي العمل ليوم واحد يجعلني أبات ليله جائعاً، ولكن سعيت قدر استطاعتي أن أحافظ على ديني وألتزم بأحكامه وأخلاقه.
يقول السيّد بحر العلوم: وبعد أن ألححت عليه ذكر لي ما اعتبره سبباً لكلّ ما حظي به من الخير والبركات في حياته.
هذه القصّة لا خصوصية فيها، فكلّ إنسان سواء كان رجلاً أو امرأة، شابّاً أو كهلاً، متعلّماً أوغير متعلّم، قد أودع الله تعالى فيه قوّتين متضادتين إحداهما العقل والأخرى الرغبات، وهما من عجائب صنع الله جلّ شأنه. فكلّ واحد منّا يمكنه أن يحظى برعاية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وينال القرب منه بمقدار ما فضّل به معتقداته على أهواء نفسه وشهواتها.
* من كلمة لسماحته ألقاها على جمع من الأخوات الناشطات في المجال الديني والثقافي من مدينة أصفهان/ 2 ربيع الثاني 1427 للهجرة
(29)
الجدّ والاجتهاد لدى السيد أبو الحسن الأصفهاني*
نقل أحدُ المؤمنين عن أحوال السيّد أبي الحسن الإصفهاني قدّس سرّه أيّام مرجعيته، قال:
كنت قد كتبت استفتاءً للسيّد ولم أشأ أن أُزاحمه لأخذ الجواب في الأوقات العادية حيث يكون مشغولاً إمّا بالتدريس أو اللقاءات العامّة والخاصّة في بيته الذي يغصّ بالوافدين، فقرّرت أن أذهب إليه قبيل صلاة الفجر؛ لعلمي أنّه يكون مستيقظاً آنئذ لأنّه كان يصلّي صلاة الصبح جماعة في روضة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، فذهبت قبل أذان الفجر بزهاء ساعة إلى بيته فرأيت المصباح مضاءً فطرقت الباب، وعندما خرج الخادم سألته فيما إذا كان السيّد مستيقظاً فأجاب بالإيجاب، فطلبت منه أن يخبر السيّد أنّ فلاناً وراء الباب، فمكثت هنيهة حتى عاد الخادم واصطحبني إلى داخل الدار، فرأيت السيّد والرسائل متناثرة بين يديه يجيب عليها، ففي بعضها استفتاءات، وفي بعضها الآخر حاجات يطلب أصحابها قضاءها.
فقلت للسيّد: أرسلت لكم منذ أيام رسالة أستفتيكم فيها عن مسائل.
فقلّب السيّد الرسائل حتى استخرج رسالتي ثمّ قال لي: عندما عدت إلى البيت كان بعض الأشخاص ـ كالعادة ـ ينتظروني لقضاء بعض الحاجات أو للإجابة على أسئلتهم، وبعد أن خرجوا رأيت أن أنتهي من الإجابة على هذه الرسائل قبل تناول العشاء، فبقي الطعام على الموقد الذي تراه أمامك على نار هادئة والرسائل لم تتمّ بعد، ومنها رسالتك هذه.
ثمّ تناول رسالتي فأجاب عليها.
* من كلمة لسماحته بجمع من الطلبة والمبلّغين ومدرّسي الحوزة العلمية في إصفهان/ شوال المكرّم 1425 للهجرة.
نقل والدي سماحة السيد مهدي الشيرازي قدس سره فقال:
في إحدى السنين حيث كان الناس ينتظرون حلول شهر رمضان المبارك، أفتى قاضي العامّة في مدينة سامراء بأن يوم غد هو الأول من شهر رمضان، مع العلم أن رؤية الهلال إلى الليلة الثانية كان غير ممكناً. فذهب علماء العامّة إلى ذلك القاضي وكان على سطح بيته، فسألوه:
أية ليلة هذه؟
قال: الليلة الثانية.
قالوا له: هل يمكنك أن ترينا الهلال ـ وكانت السماء حنيها صافية والأرض مرتفعة ـ ؟
فصار ينظر إلى السماء ثم قال: لا يوجد الهلال.
فقالوا له: إذن كيف ثبت عندك بأن هذا اليوم هو الأول من شهر رمضان؟
قال: لقد عملت طبقاً للموازين الشرعية.
قالوا: وما هي؟
قال: لقد جاءني القصاب الفلاني مع زوجته أم محمد فشهدا عندي أنهما قد رأيا الهلال، فثبت ذلك عندي!!!
* من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1428 للهجرة (بين يدي المرجع لسنة 1428 للهجرة ـ الليلة الأولى).
لقد رأيت شخصين لكلّ منهما قصّة، إذ ابتلي كلّ منهما بمشكلة مالية، فكان الأول مختلفاً مع شخص على نسبة حصّته من أرض يتنازعان فيها، فكان يدّعى أن نسبته 80% في حين كان لا يقرّ له خصمه بأكثر من 40%، وكان لكلّ منهما أدلّته وشواهده، فكان الأول يتظاهر بحسن المخالقة ويقول: رغم ثقتي بكسبي للدعوى ـ فيما لو ترافعنا للمحكمة ـ إلا أني لا أقوم بذلك لأن الترافع ليس من شأني، كما أني لا أريد تعريض غريمي للهزيمة القضائية. ولكن هذا الشخص نفسه أصيب على أثر هذا الخلاف بانهيار أعصابه وهو ما أدّى إلى إصابته بالسكتة القلبية ومات على أثرها، وما ذلك إلاّ لأنه كان يتصنّع ويتظاهر بحسن السلوك وعدم الاكتراث، ولم تكن مخالقته نابعة من الداخل حتى أجهد نفسه وأتلف أعصابه.
أما الشخص الثاني الذي له قصّة مشابهة، فكان مثالاً حقيقياً لمن لا يكترث بالنواحي المادية، وكان طيّب المخالقة مع الناس، وذلك لأنه عندما أُخبر بأن بيته قد صودر، لم يكترث؛ وقال: إن الأمر ليس من شأنه أن يقلقني بالمستوى الذي يمكن أن يسوء فيه خلقي مع الناس، بل لا يمكنه أن يؤخّرني حتى عن موعد نومي الليلة.
لعلّ من عمدة الأسباب في تفاوت سلوك الشخصين المذكورين، هو أن أحدهما لم يكلّف نفسه عناء ترويض ذاته وتأديبها وتعويدها على الصلاح الحقيقي، بينما الثاني ـ كما بدا من سلوكه ـ كان أكبر همّه صقل شخصيته من خلال تهذيب نفسه بالقدر الذي يجعلها طيّعة لأمر بارئها سبحانه وتعالى.
إذن يتبيّن من ذلك أنّ طيب المخالقة ينتفع بها صاحبها قبل أيّ شخص آخر، سواء على صعيد الدنيا أو الآخرة.
* من محاضرة (طيب المخالقة والسبق إلى الفضيلة) من سلسلة محاضرات شرح دعاء مكارم الأخلاق/ ألقاها سماحته في 16 ربيع الثاني 1422 للهجرة.
رغم أن الإمام الحسين سلام الله عليه ليس محتاجاً لنا ولزيارتنا، وأن الآلاف من الملائكة مقيمون على مرقده الطاهر، ولكنه سلام الله عليه يحثّنا أيضاً على زيارته ولا يتوقّع من محبّيه أن يجفوه مهما كانت الظروف والأحوال.
فقد روى كثير من العلماء في كتبهم عن محمد بن داود بن عُقبة أنه قال: «كان لي جار يُعرف بعليّ بن محمد قال: كنت أزور الحسين سلام الله عليه في كل شهر ثم علت سني وضعف جسمي، فانقطعت عن الحسين سلام الله عليه مدة.
ثم إني خرجت في زيارتي إيّاه ماشياً فوصلت في أيام فسلّمت وصلّيت ركعتي الزيارة ونمت، فرأيت الحسين سلام الله عليه قد خرج من القبر وقال لي: يا عليّ، جفوتني وكنت لي برّاً؟!
فقلت: يا سيدي ضعف جسمي وقصرت خطاي ووقع لي أنها آخر سنّي فأتيتك في أيّام، وقد روي عنك شيء أحبّ أن أسمعه منك.
فقال سلام الله عليه: قل.
فقلت: روي عنك (من زارني في حياتي زرته بعد وفاته).
قال سلام الله عليه: نعم قلت ذلك، وإن وجدته في النار أخرجته»(1).
* / من كلمة لسماحته بجمع من المشاة إلى كربلاء المقدسة/ صفر المظفّر 1426 للهجرة.
[1] / مستدرك الوسائل/ ج10/ باب 86 نوادر ما يتعلق بأبواب المزار/ ص403/ ح4.
من الأمور المهمة جداً لطالب العلوم الدينية أن تكون له إحاطة بالعلوم التي يدرسها. وكنموذج على ذلك أذكر لكم القصة التالية:
بعد وفاة الآخوند الخراساني رحمه الله شرع آغا ضياء بإلقاء دروس في بحث الخارج، وذات يوم ذهب إلى السيد اليزدي (صاحب العروة) وطلب منه حاجة فسأله اليزدي: بما مشغول الآن؟
قال: في التدريس.
قال السيد: ماذا تدرّس؟
قال: في بحث الخارج. فقال له السيد: اذكر لي مسائل ليس لها مدرك إلا الإجماع.
فبدأ آغا ضياء يذكر له المسائل حتى ذكر خمساً. فقال له السيد: اذكر لي واحدة أخرى. فلم يستطع آغا ضياء أن يأتيه بأخرى. فقال السيد: هل معك مسبحة؟
قال: نعم.
قال السيد: امسكها بيدك وأعدّ ما سأذكره لك من المسائل التي مدركها الإجماع. فعدّ له أربعين مسألة.
ثم توجّه السيد اليزدي إلى آغا ضياء وقال له: حاجتك سأقضيها لك ولكن اعلم أنه ينبغي للطالب أن يكون متمكناً في دراسته وتدريسه.
لقد ذكروا أن السيد اليزدي رحمه الله قد قرأ كتاب الجواهر وباحثه في حياته ست مرّات.
* من حديث لسماحته بالعلماء والفضلاء في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك لعام 1426 للهجرة/ الليلة السادسة عشرة.
كلكم سمعتم بقصة خالد بن الوليد وما فعله مع بعض القبائل المسلمة، ولكن الرسول صلّى الله عليه وآله لم يكتف بالبراءة من صنع خالد، وإنما أرسل الإمام عليّاً سلام الله عليه ليديهم:
«عن فضالة عن أبان عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر سلام الله عليه قال:
بعث رسول الله صلى الله عليه وآله خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم بنو المصطلق من بني جذيمة وكان بينهم وبينه وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية، فلما ورد عليهم كانوا قد أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وأخذوا منه كتاباً فلما ورد عليهم خالد أمر منادياً فنادى بالصلاة فصلّى وصلّوا. فلما كان صلاة الفجر أمر مناديه فنادى فصلّى وصلّوا، ثم أمر الخيل فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب. فطلبوا كتابهم فوجدوه فأتوا به النبي صلى الله عليه وآله وحدثوه بما صنع خالد بن الوليد. فاستقبل صلى الله عليه وآله القبلة ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد».
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله تبر ومتاع، فقال لعليّ عليه السلام: يا علي ائت بني جذيمة من بني المصطلق فأرضهم مما صنع خالد.
ثم رفع صلى الله عليه وآله قدميه فقال: يا عليّ اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك.
فأتاهم علي عليه السلام، فلما انتهى إليهم حكم فيهم بحكم الله، فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وآله، قال: يا علي أخبرني بما صنعت؟
فقال: يا رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية ولكل جنين غرة ولكل مال مالاً، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم وحبلة رعاتهم وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة نسائهم وفزع صبيانهم، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون ولما لا يعلمون، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا عنك يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله: يا علي أعطيتهم ليرضوا عني؟ رضي الله عنك يا علي! إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي(1).
هذا هو الإسلام. فلنسع لأن نصلح ما خرّب غيرنا. ونقول للناس: إن النبي والأئمة سلام الله عليهم لم يكونوا هكذا بل كانوا صلحاء ومصلحين، فلا تتأثروا بما يصدر عن غيرهم.
* / من محاضرة (نحو بناء النفس والمجتمع).
[1] / أمالي الصدوق/ المجلس 32/ ص 173/ ح7.
عن أبي الحسن عن الرضا صلوات الله عليه: قال ظهر في بني إسرائيل قحط شديد سنين متواترة وكان عند امرأة لقمة من خبز، فوضعتها في فيها لتأكل، فنادى السائل: يا أمة الله الجوع.
فقالت المرأة: أتصدّق في مثل هذا الزمان. فأخرجتها من فيها فدفعتها إلى السائل، وكان لها ولد صغير يحطب في الصحراء فجاء الذئب فاحتمله فوقعت الصيحة، فعدت الأم في أثر الذئب، فبعث الله إليه تبارك وتعالى جبرئيل عليه السلام فأخرج الغلام من فم الذئب فدفعه إلى أمّه فقال لها جبرئيل عليه السلام: يا أمة الله أرضيت؟ لقمة بلقمة(1).
فكلما نتعامل مع الخلق بشكل جيد، عاملنا الله تعالى بهذه الطريقة، وفي بعض الأحيان يكون العوض قريب الحصول جداً.
* من كلمة لسماحته بجمع من الشباب المؤمن/ 20 رجب الأصبّ 1424 للهجرة.
(1) ثواب الأعمال/ للصدوق/ ص 140.
لقد نقلوا أن الشيخ البهائي رضوان الله تعالى عليه في زمن مرجعيته وزعامته للشيعة ذهب ذات مرة إلى زيارة العتبات المقدسة في العراق، والتقى بالمقدّس الأردبيلي رضوان الله تعالى عليه ـ وكان حينها من أكبر الشخصيات العلمية ـ في مدينة النجف الأشرف. فتباحثا حول مسألة ما في مجلس كان غاصّاً بالعلماء والشخصيات الدينية. وبعد مناقشات كثيرة وردّ وإثبات استطاع الشيخ البهائي أن يثبت رأيه ويكسب النقاش.
ثم بعد عدة أيام ذهب هذان العالمان الجليلان إلى مقبرة وادي السلام. وبعد أن قرءا الفاتحة جلسا في جانب ما وطرح المقدس الأردبيلي المسألة نفسها وناقشها مع الشيخ البهائي واستطاع أن يقنع الأخير برأيه بأدلّة محكمة وقويّة. فقال الشيخ البهائي: هل كنت تعلم بهذه الأدلة في بحثنا ذلك اليوم أم علمت بها بعد ذلك؟ قال الأردبيلي: نعم كنت عالماً بها ذلك اليوم، لكنني لم أطرحها خشية أن يقلل من شأنكم العلمي وتصغر شخصيتكم في عيون الحاضرين وأنتم في مقام الزعامة المطلقة للمذهب.
لقد مرّ على عصر الأردبيلي زهاء أربعمائة سنة وتخرّج الآلاف من الطلاب من حوزة النجف الأشرف ولكن الكثير منهم لم يبق منه حتى الاسم. وسبب ذلك هو أن ما كان لله تعالى ينمو وما كان لغيره فهو فانٍ وزائل. أما المقدس الأردبيلي فقد بقي ذكره وسيبقى اسمه مخلّداً لأنه كان يعمل لله تعالى فقط. ومن ذلك هو ما ذكرته لكم أعلاه.
* من كلمة لسماحته ألقاها بجمع من أئمة الجمعة والجماعة من مدينة النجف الأشرف في 24 ربيع الثاني 1427 للهجرة.
من القصص التي تنقل عن الشيخ علي القمّي رحمه الله أنّه أُصيب في أخريات عمره بمرض حصر البول، وهو مرض مؤلم جدّاً وقد لازمه هذا المرض ـ كما ذكر لي بعض أبنائه ـ زهاء عشر سنوات حتى توفّي رحمه الله.
يقول ولده: طيلة المدّة التي كنت معه لم أسمع منه كلمة آه أبداً، وكان إذا اشتدّ به الألم قال: لا «حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم»، أي أنّه كان ينفّس عن نفسه بذكر الله، وكان يأسى أن يصرف هذه الثواني من عمره في قول كلمة تنمّ عن ضجر أو جزع ولا يستثمرها في ذكر الله عزّ وجلّ، بل كان بدلاً من ذلك يُعقّب تألّمه بالذكر.
إنّ الإنسان إذا تألّم لا يمكنه إلاّ أن يقول عبائر تكشف عن مدى تألّمه، ولكن إذا ربّى نفسه تمكّن أن لا يقولها بل يقول بدلاً منها: لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
لا شكّ أنّ التأوّه بنفسه ليس مذموماً بل ورد في الأحاديث أنّ المريض إذا تأوّه كتب له فيه ثواب، ولكن لا شكّ أيضاً أنّ قول: «لا إله إلاّ الله» أكثر ثواباً، إذاً لا ينبغي أن ننهى مريضاً من التأوّه، ولكن حبّذا أن يربّي نفسه بحيث يُهلّل الله ويَحمده ويُسبّحه ويُكبّره إذا نزل به مرض أو بلاء.
* من محاضرة (تذليل الصّعاب في طلب العلم).
(1) كان من العلماء المعروفين في النجف الأشرف، توفّي قبل أكثر من نصف قرن.