أعزائي جميعا ،،،
أضع بين أيديكم كلمات متواضعة بقلمي ... وأرجو أن تعم الفائدة مما جادت به قريحتنا
تحياتي ،،،
بقلم : أم سيد يوسف
الكنوز (ما ظهر منها وما بطن)
"الكنوز" تلك الكلمة التي ما إن تتبادر إلى أسماعنا نحن بني البشر حتى يُـخيل لنا بأن (حتى فاقدي السمع) قد فطنوا لها بمجرد النظر إلى وجوهنا ونحن نتلقفها متلهفين لسماع من يملكها!!!
ولو سألت يوما شخصا في ريعان شبابه (ما هي الكنوز؟) فسيجيب بأنها تلك الأموال التي يتمنى الحصول عليها بأقصى سرعة ممكنة سواء كانت إرثا أم ضربا من ضروب الحياة في مهنة يزاولها لينعم بحياة مستقرة . وينطبق الحال نفسه على المعسر الذي طالما ينام ويصحو على حلم زوال تلك الكنوز من يد أخيه الغني لتصل إليه!!! وبتوجيه نفس السؤال إلى شيخ طاعن في السن فسيقول بأنها فترة الشباب التي مررت بها في فترة زمنية (كنت خلالها متأرجحا في قراراتي وقناعاتي وأهوائي وفي المقابل أعمالي) والتي أطمح باسترجاعها الآن لتصحيح مساري (ولكن هيهات) فقد ولـّى ذلك الوقت وهاأنذا مشغول بنفسي عن الآخرين استعدادا لحياة أخرى بانتظاري .
فها هو السؤال واحد والإجابات متعددة والأمثلة أيضا كثيرة وبالخصوص هذه الأيام التي في ساعة الغفلة منا نتحرك ونعمل طبقا لما نراه أمامنا ومن زاوية قصيرة المدى لا تتعدى الساعات والأيام القلائل من عمرنا ولم نعي معناها .
تذكر المصادر بأن أحد أسباب الصراع بين جميع الرسل (ع) وبني البشر كانت هي أمنية الحصول على الماديات الزائلة من جاه وسلطان وأموال وقوة بطش ظالمة مستحكمة وأولاد (وليس بتلك الأهمية أن يكونوا صالحين) ، وذلك لأن الرسول يأتي مبشرا لا يحمل معه سوى النصيحة لخير البشرية ليصل بهم إلى دار الخلد والجنان بما زرعوه في دنياهم تأكيدا لقول الإمام علي (ع) "الدنيا مزرعة الآخرة" .
يتحدث القرآن الكريم عن صنفين من الكنوز (صنف مادي وآخر معنوي) ، وكلاهما يحمل في طياته المحبة والصراع والفراق ليبقيا مع الإنسان طوال فترة حياته .
وبنظرة خاطفة إلى الصنف المادي (والذي يعتبر أحد النعم التي أنعم الله بها علينا) نأخذ مثالين لتقريب الرؤية ، كما في قوله تعالى "المال والبنون زينة الحياة الدنيا ... - سورة الكهف ، آية رقم 46" ، نجد بأن حب امتلاك الأموال وكثرة البنين إلى جانب البنية الجسمانية القوية لبعض السلف مثل عاد الأولى عندما خاطبهم الله بقوله "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة ... - سورة الأعراف ، آية رقم 69" قد سلب عقول البعض من الناس واحتل مساحة واسعة من التفكير المادي الهزيل ومن ثم الجري وراء كل ناعق بدون حساب للعواقب التي تنتظرهم . ويعزو السبب في ذلك لضعف الإنسان أمام مغريات هذه النعم ولعمري أنه يعلم بأنها ستؤول إلى زوال أو انتقال بانتهاء عمره (وإن طال) .
أما الصنف الآخر من النعم فيتمثل في الكنوز المعنوية من أداءٍ للعبادات الدينية وإنجاز لمعاملات دنيوية قامت وما تزال البشرية تقوم على تأديتها كلٍ حسب الزمان والمكان اللذان يحددان نوعية تلك العبادات والمعاملات فيما بين الناس بعضها مع بعض .
ونحن أبناء هذا الجيل ومنذ ما يقارب على 1400 سنة مضت ، بعث الله الرسول الأكرم محمد (ص) آخر أنبياء هذه المعمورة كما أخبر به جميع من سبقوه من الأنبياء ، حاملا معه كنز لا يفنى ألا وهو الدين الإسلامي الحنيف خاتم الديانات السماوية الذي أنار دروب الإنسانية ، بحيث لم يترك تساؤلا إلا وقد أتى بجواب بليغ له بحيث لم تتمكن عقولنا المحدودة أن تصل إليه بمفردها دون تبيان . وقد تحمـّل (ص) في إعلائه الكثير من المتاعب في وجه من وقف من جبابرة وطغاة ضد انتشاره خوفا منهم على زوال المال والسلطان .. وغيرها مما يؤمنون به من ملذات زائلة .
وفي غمرة تلك اللهفة إلى الكنوز يجب أن نتذكر بأننا راحلون عنها يوما ما .. لتبقى كلمةتتناقلها البشرية جيلا بعد جيل من دون أن يتم اكتشافها ؟؟؟ ولكن هيهات أن يتركنا الله من دون معرفتها قبل حلول الأجل منصتين لقوله عزّ وجلّ (بسم الله الرحمن الرحيم "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور" - سورة الملك ، آية رقم 2) صدق الله العليّ العظيم .
ولتأمين أنفسنا والقيام بأحسن الأعمال وعدم الابتلاء كما في الآية المذكورة أعلاه ، (كإعطاء حقالله في العبودية له وحده لا شريك له وللوالدين بالطاعة والرحمة وللأهل بالتعايش في جو محبة ووئام وللأولاد في تربية وتنشئة صالحة وللأصدقاء في عون ومساعدة) ،يجب علينا أن نتابع مسيرنا بالتمسك بديننا الحنيف متمثلا في قرآننا الكريم والعترة الطاهرة من أهل بيت النبي الأكرم (ص) جنبا إلى جنب كما أخبرنا بهما المصطفى (ص) في قوله : "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" .
فهنيئا لمن كان له قلب نشأ وترعرع في أحضان تلك الكلمات المضيئة ليربي أجيالا تحمل حب محمد وآل محمد ، ذلك الفيض المعين الذي لم ينضب يوما ولن ينضب إلى أن تقوم الساعة ويـُحشر البشر للثواب والعقاب .
نسأل الباري تعالى وإياكم بلوغ درجات نيل الكنوز بمحبة محمد وآل محمد