الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام - في ذكرى استشهاده
قال الألوسي في مختصر التحفة الأثني عشريّة ص 8 : "وهذا أبو حنيفة .. وهو بين أهل السنّة كان يفتخر ويقول بأفصح لسان : «لولا السنتان لهلك النعمان» ، يريد بذلك السنتين اللتين صحب فيهما الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام لأخذ العلم والمعرفة . فحثيثا بنا نحن أبناء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أن نفتخر بأننا جعفريين نسبة إلى هذا الإمام تسمية واقتداء .
سبعون عاما من العطاء (على أكثر المصادر) بين ولادته في المدينة المنورة في السابع عشر من ربيع الأول عام 78 للهجرة والمصادف لنفس يوم ميلاد جده المصطفى محمد (ص) من عام 570 للميلاد وبين استشهاده بالسم ظلما على يد المنصور العباسي (لعنه الله) في الخامس والعشرين من شوال عام 148 ، غرف الخواص من شيعته وأصحابه إلى جانب العامة ممن كانوا حوله من فيضه المبارك في الأدب والعلم والمعرفة بشتى أنواعها .
تذكر المصادر بأن فترة إمامته عليه السلام قد تميزت عن بقية المذاهب الأخرى بالعلم وبحرية الرأي والبحث في الكثير من العلوم الدنيوية المختلفة إلى جانب التدريس الأساسي في الشريعة الإسلامية بشتى فروعها والذي قام بنفسه بتدريسها لطلبة العلم ، في وقت كان الصراع على السلطة قائما بين الدولة الأموية المنتهية سياسيا والدولة العباسية التي بدأت بجمع شملها لتحل محل الدولة الأموية . إلى جانب أن في تلك الفترة كان الكثير ممن ينادي بفصل الدين عن بقية العلوم الأخرى لاعتقادهم بأنه مرتبط بالقلب والعواطف .. وليس له مكان في الاستدلال العلمي .. في حين أنه عليه السلام قد حث طالبي العلم على عدم الانجرار وراء تلك النظرية الخاطئة لأن الدين يبقى المحرك الأساسي لجميع العلوم الأخرى .
جميع المترددين على مجالس العلم عند الإمام الصادق (ع) يعلمون بأنه لن ينفعهم ماديا .. بل أن حضورهم سيجعل أعوان الدولة العباسية تتعقبهم في كل لحظة وليسوا بمأمن على حياتهم .. ولكن إخلاصهم وصفاء قلوبهم ومعرفتهم بأنهم محاطين بعناية إلهية وشغف لمعرفة الحقائق من مصادرها الصحيحة جعلهم يقبلون على دروسه .. وقد أصبح الكثير منهم يقول " هكذا علمني جعفر" ( ولا يزيده كثرة الرواة عنه رفعة وجلالة قدر، وإِنما يزداد الرواة فضلاً وعلوّ شأن بالرواية عنه ) .
كانت له عليه السلام الكثير من وصاياه المباركة لأولاده ولأصحابه ولكل من كان يستمع إليه من النصح والإرشاد في شتى أمور الحياة .. فقد ورد عنه عليه السلام قوله " إِن اللّه ارتضى لكم الإسلام ديناً فأحسنوا صحبته بالسخاء وحُسن الخُلق" . ولا ننسى بأنه دائم التذكير والحث على زيارة النبي محمد وآله الأطهار (ع) مهما بلغت بنا الصعاب وبالخصوص زيارة الإمام الحسين (ع) في كل وقت وزمان كما في قوله "تزاوروا فإن في زيارتكم إِحياءً لقلوبكم وذكراً لأحاديثنا ، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض ، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم ، وإِن تركتموها ظللتم وهلكتم ، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم .. (المصدر الكافي ، باب تذاكر الإخوان) .
وكان عليه السلام مجاب الدعوة إذا سأل الله شيئا لا يتم قوله إلا وهو بين يديه .. ومما ذكروه له (ع) ما كان من قصد المنصور له بالقتل مرارا عديدة ، فيحول الله تعالى بينه وبين ما عزم عليه ببركة دعائه ، بل ينقلب حال المنصور إلى ضــد ما نواه وعزم عليه ، فينهض لاستقباله ويبالغ في إكرامه ( ولكن هيهات أن يصدق فيما كان ينويه من قتل الإمام ) .
وتنقضي الأيام ليتم دس السم له في بدنه الشريف عن طريق العنب في طعامه من قبل المنصور ليصارع الموت ظلما ، فيعهد إلى الإمام موسى الكاظم (ع) بإمامة الناس من بعده في الخامس والعشرين من شوال عام 148 هجرية ، ويتم دفنه في مقبرة البقيع إلى جانب أبيه وأجداده الطاهرين .
لم يكتفي الظلمة ولم تهدأ نفوسهم من ظلم أهل البيت ، فقد قام الوهابيون عند تأسيس دولة آل سعود في عام 1220 هجرية بهدم القباب في مقبرة البقيع ... تبعها هدم القبور ثانية في الثامن من شوال سنة 1344 هجرية .. وما تزال تنتظر التعمير على يد المؤمنين الموالين لأهل البيت .. فلننهض جميعا بهذا الواجب المقدس لندخل السرور على قلب مولانا صاحب العصر والزمان (عج) .
فسلام عليك أيها الإمام المسموم المقتول .. يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله .. وعظـّـم الله أجورنا وأجوركم جميعا بهذا المصاب العظيم .
بقلم : أم سيد يوسف