المرأة الرسالية والدور المطلوب
يقول الباري تعالى في محكم كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم"إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحمـِلنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"صدق الله العليّ العظيم (سورة الأحزاب - آية رقم 72) .
وبالتعريف لكلمة "الإنسان" في اللغة ، فإنها تعني ذلك الجنس البشري الحي المفكر والمؤهـَل للخلافة في الأرض ليحمل تبعات الأمانة على عاتقه ، وينقسم إلى نوعين ذكوري وأنثوي ( رجل و امرأة ) .
اختيار الزوجة الصالحة هي اللبنة الأكثر تأكيدا عليها من خلال أحاديث أهل البيت (ع) ، فها هو سيد الأنام الرسول الأعظم محمد (ص) يوجهنا لذلك الطريق بقوله "اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس" لضمان استمرار حياة سعيدة .
القيام بتأدية الواجبات ومن ثم المطالبة بالحقوق تجعل من المرء رجلا كان أم امرأة أقل قلقا على المستقبل وفي المقابل أكثر عطاءا ... معادلة لطيفة لبستان الحياة تم تصويرها من قبل السيد هادي المدرسي (حفظه الله) عندما قال بأن "ربك صاحب المزرعة ، والمرأة هي الشجرة ، والرجل هو الفـلاّح"ويمكن تحقيقها فقط عندما يعمل كل من الرجل والمرأة بالضوابط التي وضعها الله وما ترتضيه الطبيعة من دون قلب للموازين والأدوارفي الحياة .
وبنظرة خاطفة نجد أن المرأة (ذلك الكائنالعاطفي المحاط بالأحاسيس والوجدان) تتطلع وبشغف لوالدين يقومان بتربيتها والحفاظ عليها طوال فترة وجودها في كنفهما قبل أن تنتقل لبيت الزوجية لتحمل معها كل ما تعلمته من أدب وأخلاق ومعاملة لتبدأ بتطبيقه في مملكتها الخاصة مع زوجها وأولادها ، استشهادا بقولٍ ورد عن الإمام الكاظم (ع)"جهاد المرأة حسن التبعّل".
من الممدوحات في المجتمع الإسلامي المترابط أفراده ، قيام المرأة بتدبير شئون منزلها لإدخال الاستقرار والسرور على عائلتها مع ميل المرأة لتقديم عطاءها لمجتمعها أيضا بما تملكه من فكر ثقافي وديني وسياسي يمكن أن يساهم في نهضته جيلا بعد جيل . وحسبنا اقتداءا بسيدات طاهرات مثل آسية بنت مزاحم ، امرأة فرعون طاغية زمانه ، التي لاقت ما لاقته من عذاب طوال معيشتها معه حتى طلبت من الله أن يبني لها بيتا في الجنة ويخلصها من فرعون ، وكذلك مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها وحملت آلام السيد المسيح عيسى (ع) . وكفانا فخرا أن نتذكر خطبة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين فاطمة الزهراء (ع) عندما وقفت مدافعة عن حق ولاية بعلها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بالخلافة من بعد وفاة أبيها معلنة غضبها ومظهرة ظـُلامتها ومطالبة بحقوقها المسلوبة ممن غصب حقها ومتحدثة إلى القوم مذكـّرة لهم بما قاله الرسول (ص) قبل وفاته في شأن الخلافة من بعده .. ولم تتوقف عن تبيان كل ما من شأنه أن يعود القوم إلى رشدهم (ولكن هيهات) حتى وافتها المنية حاملة معها ظلم قومها لها ليوم القيامة . وكيف لنا أن ننسى "خير خلف لخير سلف" السيدة الجليلة زينب الكبرى (ع) عندما أعلنت صرختها المدوية في الكوفة والشام من بعد فاجعة كربلاء الدم .. كربلاء الإمام الحسين وأبنائه وإخوانه وأصحابه لتقف شامخة ومقارعة لبطش الجبابرة أمثال (يزيد بن معاوية - لع وغيرهم) ومكملة لدور أخيها الإمام الحسين (ع) في التشهير بحقيقة الحكم الأموي الحاقد على الإسلام الذي طالما أراد بني أمية أن يزينوه خلافا للحقيقة . ولنسترجع الأحداث ليتبين لنا بأن دورها (عليها السلام) كان بوحي من السماء في حمل هذه الرسالة الإعلامية والعمل على نشر حقيقة ما جرى في كربلاء من الخروج وحتى الاستشهاد وما تبعه من قهر وسبي واضطهاد لآل البيت (ع) ، دون أن يقتصر دورها فقط على البكاء وإقامة مجالس العزاء ، وإلا كان بقاؤها في المدينة حدث لن يتذكره التاريخ .. وهذا ما عبّر عنه الدكتور الشهيد علي شريعتي بقوله "الذين قـُتلوا قاموا بدور زينبي وعلى الباقين القيام بدور زينبي وإلا فهم يزيديون" .
فكيف ينظر المجتمع إلى نساء اليوم ؟؟؟ انقسمت النساء (إن صح التصنيف) إلى ثلاث مجموعات كالآتي :-
·المرأة المكتفية بتدبير شئون المنزل وإدارته وتقديم الأفضل من الماديات لجميع أفراده (الغالبية العظمى) .
·المرأة العالمة العاملة الفاعلة في المجتمع ثقافيا ودينيا وسياسيا (وهن قلة قليلة) .
·المرأة المقصرة في أداء الواجبات الشرعية (نتمنى عودتهن إلى الطريق الصحيح) .
وبتحليل بسيط لهذه المجموعات يمكننا أن نسلط الضوء على بعض الأسباب التي جعلت المرأة تعيش هذه الأوضاع :-
1.اكتفاء المجتمع من (آباء وأزواج وإخوان) ببقاء المرأة في المنزل من دون مشاركتها الرجل في بعض الفعاليات والأنشطة المجتمعية بحجة الحفاظ عليها ، و مكابرة البعض في سلب حقوقها واستعبادها (إن صح التعبير) .
2.التقصير من المرأة نفسها في تلقي العلم والتعلم ، وإن تهيأت لها الأجواء المناسبة .
3.لجوء البعض من النساء للتقليد الأعمى فيما يخص شئون المرأة وجعلها تنسلخ عن هويتها الإسلامية وتـُغرق نفسها في اللهث وراء أغراض دنيوية مؤقتة أوقعتها في الكثير من الزلات والمفاسد المحرّمة وجعلتها كالسلعة تباع لمن يدفع أو لا يدفع .
وفي دوامة هذا الخليط ، يجب أن يعمل المجتمع على إعطاء المرأة الدور الرسالي الفعـّال لتحقيق ما يتناسب وقدراتها الفكرية والثقافية .. كما ورد عن رسول الله (ص) النساء شقائق الرجال ... نوجز منها ما يلي :-
·يجب توعية الأب أو الأخ أو الزوج بأن المرأة لديها من الطاقات الفكرية ما تتساوى به مع الرجل (في بعض الميادين) .
·إيجاد دور إعلامي يعتني بشؤن المرأة بشكل دائم .
·يجب على المرأة أن تستعد ثقافيا ونفسيا لتسجيل أكبر حضور في ميدان الفقه والدين في عصر ظهور الإمام صاحب العصر (عج) وكما أخبرنا به الإمام الباقر (ع) بأنكم "ستؤتون الحكمة فيزمانه حتى ان المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله" مع الالتفات الى أن من الشروط اللازمة في القضاء الفقاهة والمعرفة الصحيحةبالاحكام .
فهل بعد هذا يمكن أن يشاع ويتم تفسيره بصورة خاطئة (وبحسب الأهواء والمعتقدات السائدة في المجتمعات) بأنها ناقصة عقل ودين ؟؟؟
أرجو منكم البحث لإظهار حقيقة هذا المخلوق الضعيف والرقيق في بنيته ... القوي في سلوكه وإيمانه وفكره .
بقلم : أم سيد يوسف