علي مع القرآن والقرآن مع علي
في ذكرى شهادة وليد الكعبة الإمام علي بن أبي طالب (ع)
قال رسول الله (ص) "علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" . كلمتان متلازمتان على مر العصور .
ونحن حين نستذكر شهادته المباركة ونـُحي ذكراه العطرة عاما بعد عام وجيلا بعد جيل ، لابــد أولا أن نشير إلى معجـزة الرسول (ص) الخالدة ألا وهي القرآن الكريم . فقد كان (ص) يأمر من كانوا حوله بوجــوب التمسك بالقرآن الكريـم والعمـل بما جاء فيه من أحكام وشرائع لخير البشرية . وفي المقابل قد قرن هذا التمسك بطاعة من أوجب الله علينا حقــه فــي الإتباع بأمر من الله وهو الإمام الذي نصبه الرسول (ص) خليفة من بعده امتثالا لقوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( الآية 67 - سورة المائدة ) .
إنه ذلك المولود الأول (وسيكون الأخير على هذه المعمورة) الذي ولـُـد في جوف الكعبة المشرفة قبل البعثة النبوية الشريفة باثنتي عشرة سنة (الليلة الثالثة عشرة من شهر رجب المعظم) من صلب أبيه عبد مناف (الملقب بأبو طالب) الطاهر ورحم أمه المطهرة فاطمة بنت أسد (عليهما السلام) بمعجزة إلهية بانشقاقٍ في جدار الكعبة المشرفة ودخول تلك السيدة الجليلة إلى داخل بيت الله الحرام وبقاؤها لمدة ثلاثة أيام ليأذن الله لها بعد ذلك بالخروج ليستقبله ابن عمه الرسول (ص) ليبدأ أعظم تآخي بين اثنين من اللحظات الأولى من عمره الشريف . وحتى يومنا هذا ونحن نشهد آثار تلك المعجزة ما زالت واضحة وستبقى خالدة لمن يحالفه الحظ ويصل إلى مكة المكرمة فسيرى بأم عينيه تلك الشقوق التي مهما حاول الأعداء طمسها لن يكون لهم ذلك ، ناهيك عن تلك الرائحة العطرة والتي لا أحسبها إلا من روائح الجنة يشمها كل من يقترب من ذلك المكان .
ويتربى ذلك الوليد صغيرا في حضن الرسول (ص) ليزقه علوم القرآن زقا منذ أن سمع الرسول (ص) بنداء الله تعالى لحمل الرسالة المحمدية الخالدة ، ويترعرع ويصبح رجلا وصهرا للرسول (ص) بزواجه من سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء (ع) و والدا لسبطيه سيدي شباب أهل الجنة الإمامين الحسن والحسين (ع) في أسعد بيت عائلي على الإطلاق .
وقد خاض (عليه السلام) الحروب جميعها مع الرسول (ص) وتحت لوائه ، ما عدا اشتراكه في سرية أسامة بن زيد لغزو الروم بأمر من الباري للرسول ، بحيث أجلسه إلى جواره وأفاض إليه من علومه قبل أن ينتقل الرسول (ص) إلى جوار ربه تاركا للأمة إرثا لن يضلوا بعدهما أبدا " كتاب الله وعترته الطاهرة " .
وعندما اختار الله نبيه (ص) إلى جواره ، قام الإمام علي (ع) بتحمل عبء الرسالة الإسلامية ، ولكن وبرغم التضحيات الجسيمة التي بـُذلت في سبيل تحقيق نشر تعاليم الإسلام الحنيف في أيام حياة الرسول (ص) ، فإن الأمة قد خالفت أوامره مباشرة وفي غمضة عين ، فبدأت بتصفية أهل البيت (ع) وكل من كان يقف في صف الحق معهم لأحقاد دفينة في الصدور وحسد في القلوب لما أعطاه الله لآل البيت من منزلة عالية من العلم والشرف والاصطفاء على سائر البشر .. وهذا مما عبـّر عنه (ص) بقوله : "أنا قاتلت على تنزيل القرآن ، وعلي يقاتل على تأويله" .
واصل الإمام علي (ع) تكليفه الشرعي المناط به غير آبه بما يفعله القلة المخالفة لأوامر الرسول (ص) .. (نعم) فقد كان (ع) يأمر الأمة بأن تجعل القرآن الكريم دستورا لها في الحياة ، ومما روي عنه (ع) أنه قال : " ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق ، ولكن ُأخبركم عنه : ألا إن فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم" .
وقد أبان القرآن الكريم مقام الإمام علي (ع) في الكثير من آياته كـآية المباهلة ، وآية المودة ، وآية التطهير ، وسورة هل أتى .. وغيرها . إلى جانب شهادة (حتى من خالفوه) ، فها هو عمر بن الخطاب يقول في كل موقف له " لولا علي لهلك عمر" .. "لا أبقاني الله لمعضلة ليس فيها أبا الحسن" .. وغيرها الكثير من المواقف التي لا يسع المجال لذكرها هنا بالتفصيل .
وتتوالى الأيام بأفراحها القليلة وأحزانها الكثيرة ليأتي ذلك اليوم الموعود له بالشهادة فيه وهو ساجد في محراب الصلاة في شهر كريم في ليلة من ليالي القدر الشريفة (ليلة الحادي والعشرون من شهر رمضان - سنة 40 هـ) ليضربه أشقى الأشقياء ضربة مسمومة مدسوسة من أهل الشر والنفاق على يد المجرم القاتل عبد الرحمن بن ملجم (لعنة الله ورسوله والملائكة والناس أجمعين عليه) مقابل مردود مادي زهيد و زائل لينطق (عليه السلام) بمقولته الشهيرة "فزت ورب الكعبة" . ليتحقق له ما أراده من الشهادة والانتقال إلى جوار ربه صابرا محتسبا أجره عند الله وليتحقق لأعدائه ما أرادوه .. ولكن شتان بين الأمنيتين !!!
فسلام عليك سيدي .. يا من نعاك جبرائيل (ع) يوم استشهادك في محراب الصلاة كما شرفك الله بولادتك في بيته العتيق بقوله "تهدمت والله أركان الهدى"
فرحمك الله يا أبا الحسن فلقد كنت القرآن الناطق والنبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون .
يذكر ابن أبي الحديد أن صعصعة بن صوحان العبدي (الصحابي الجليل) رثا أمير المؤمنين علياً بهذه الأبيات:
ألا، من لي بأنسك يا أخيـــــــا ومــن لي أن أبثك ما لديـــا؟
طوتك خطوب دهر قد تولــــى لذاك خطوبه نشراً وطيـــــا
فلو نشرت قواك لي المنايـــــا شكــوت إليك ما صنعت إليا
بكيتك يا علي بدرّ عينـــــــــي فلم يغن البكاء عليك شيـــــا
كفى حزناً بدفنك ثم إنــــــــــي نفضـت تراب قبرك من يديا
وكانت في حياتك لي عظـــــاة وأنت اليوم أوعظ منك حيــا
فيا أسفي عليك وطول شوقي ألا لو أن ذلك رد شيــــــــــا
بقلم : أم سيد يوسف
نسألكم الدعاء