تمر علينا في السابع من صفر عاما بعد عام ذكرى استشهاد رابع أصحاب الكساء ، الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، مسموما على يد زوجته جعدة بنت الأشعث بتدبير من الطاغية معاوية بن أبي سفيان (لعنه الله) بإغرائها بماديات دنيوية زائلة لم تحظى بها أبدا . ويقابل هذا الحدث الأليم بعد مرور أكثر من سبعين عام ، ذكرى عطرة لولادة الإمام موسى بن جعفر (ع) ، ليمتزج الحدثان معا في مسيرة حياتهما المباركتين .
لكل إمام عهد عاصره بأحداثه وأنصاره الذين اتبعوه أو خالفوه (جهلا أو عمدا ) ولكن يبقى الإمام متخطيا كل المصاعب بتسديد إلهي وبروح المثابرة والعمل على الإصلاح في المجتمع بأكمله . وعندما نستذكر ميلاد أو شهادة أئمة أهل البيت (ع) لا بد وأن نستشعر في أنفسنا فرح المولد وألم الفراق لتلك المناسبة .
عاصر الإمام الحسن (ع) ثلاثة عصور ، تمثــّل العصر الأول منها مع بدء ولادته الميمونة في الخامس عشر من شهر رمضان في العام الثالث للهجرة النبوية الشريفة في حياة جده الرسول الأعظم (ص) مولودا بكرا لوالديه الإمام علي بن أبي طالب (ع) وأمه فاطمة الزهراء (ع) ليرعاه جده مع أخيه الإمام الحسين (ع) برعاية خاصة كحفيد وسبط لرسول الله (ص) . يرتحل الجد (ص) إلى دار الخلد وتلحقه سريعا أمه (ع) باستشهادها وهو لا يزال في مرحلة الطفولة . يبدأ عصره الثاني (مرحلة الشباب) مشاركا لأبيه الإمام علي (ع) في حروبه الدفاعية عن الإسلام ومواسيا له في الظروف القاسية التي أحاطت بالمجتمع الإسلامي آنذاك . ومع استشهاد أبيه الإمام علي (ع) غيلة بتدبير من معاوية بن أبي سفيان (لعنه الله) على يد عبد الرحمن بن ملجم (لعنه الله) ، بدأ عصره الثالث بوصية له من أبيه في إدارة شئون المسلمين (ليس توريثا للحكم ، وإنما عهدًا وميثاقًا من الله ورسوله) بذلك ، ولكن ما أن سمع معاوية بن أبي سفيان(لعنه الله) الذي كان مستقرا في الشام باستشهاد الإمام علي (ع) حتى عمل مباشرة على إغراء الناس بتقديم الأموال لهم وحثهم على عدم الاستماع والطاعة للإمام الحسن (ع) وتنصيب نفسه خليفة على المسلمين والبدء بتوريث الحكم لبني أمية . عندها قام الإمام الحسن (ع) بنقل خلافته الشرعية من الكوفة في العراق واستقر في المدينة المنورة ، وتسارعت الأحداث وخصوصا عندما ساءت الظروف بين الإمام (ع) ومعاوية أقدم الاثنان على اتفاق تم التوقيع عليه بينهما يتضمن العديد من البنود التي يجب على الطرفين الالتزام بها لحقن دماء المسلمين .. ولكن معاوية نقض العهد بكامله وصـّرح علنا أمام الناس بأنه غير ملزم بتنفيذه . فدبت الخلافات في أوساط المسلمين بين مؤيد ومعارض لخوض حرب عسكرية يتقاتل فيها المسلمون مع بعض وتكون النتيجة النهائية ضعف المسلمين بشكل عام .. ولكن الإمام يعلم بتقلب نفوس بعض الأصحاب في الشدائد فآثر اللجوء إلى التهدئة بدلا عن الحرب .. في حين أن بعضا من شيعته وخواصه وقفوا موقف أشبه بالخزي في مواجهة إمام زمانهم و وصفوه بأبشع الأوصاف تقليلا من شأنه (ع) ، ولكن الإمام كتم جرحه في قلبه .. ليستشهد بعد ذلك مسموما مظلوما ، وقد تعرضت جنازته لرشق السهام عليها وإخراجها من داخل المسجد النبوي ليتم دفن الجسد الطاهر في مقبرة البقيع عام 50 هجرية بعيدا عن جده الرسول الأعظم محمد (ص) .
ولد الإمام موسى بن جعفر (ع) في الأبواء (موضع بين مكة والمدينة) في السابع من صفر عام 128 هجري . وكان يـُعرف بين الناس بالكاظم الذي يكظم غيظه حينما يرتكب حر أو عبد خطأ ما في حضرته .. وصاحب السجدة الطويلة و راهب آل محمد في العبادة والزهد في الدنيا .. صائما نهاره قائما ليله . عاصر الإمام الكاظم أربعة من الخلفاء العباسيين ( أبو جعفر المنصور ، المهدي ، الهادي ، وآخرهم هارون الرشيد ) الذي أمره أن يترك المدينة ويستقر في بغداد (عاصمة دولة بني العباس آنذاك). وكان هارون الرشيد بالرغم من عداوته الشديدة للإمام إلا أنه كان يمتدحه أمام ابنه المأمون بقوله "أنا إمام الجمـاعة في الظاهر بالغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق"!!! ولم يدم هذا المدح طويلا لأن الرشيد يعلم بمكانة الإمام بين الناس وحبهم له لذلك قام بسجنه وأمر طغاته بين فترة وأخرى أن ينقلونه من سجن إلى آخر حتى لا يـُعرف مكانه ويتواصل مع أهله . وقد عمد هارون الرشيد في عهده إلى تشتيت شمل أولاد الإمام الكاظم (ع) فـي شتـى بقاع الأرض ظنا منه بهذا العمل أن يقطع نسل الإمامة بأكملها .. إلا أن إرادة الله كانت الأقوى ، فرزقه الله الكثير من الأولاد وفي مقدمتهم ابنه الإمام علي بن موسى الرضا (ع) الذي كان يوصي أصحابه ومن حوله بأنه الخليفة من بعده . لقاءاته مع أصحابه كانت متفرقة وقليلة بسبب تعدد مرات سجنه ، ولكن كان يسعى بشتى الطرق إلى أن يعرف أحوال الناس وأيضا تصلهم أخباره .. إلى أن دنى الأجل المحتوم ليدس السم له هارون الرشيد وهو في السجن واعدا أصحابه بلقاء قريب .. ولكن حسبنا بوصول جنازته على جسر بغداد محمولة بيد أعدائه يـُنادى بها بذل الاستخفاف قبل أن يستلمها أصحابه ويتم دفن جسده الطاهر في بغداد عام 183 هجريه .
فها نحن نستكشف النقاط المشتركة بين هاتين المناسبتين ونلحظ الآتي :-
لم يكن هناك استقرار معيشي أو نفسي لهذين الإمامين .. بالرغم من فارق الأعوام بينهما .. إلا أن التأريخ يعيد نفسه .
خروج البعض على إمام زمانهم (وبالخصوص إذا صدر من الأصحاب دون الأعداء) له تأثير سلبي .. لأن الناس لا تعي حقيقة الأمور بكل أسرارها .
فرض قيود على أئمة أهل البيت (ع) سواء كانت معنوية أو حديدية قد أثقلت كاهل الأمة .
لماذا كل هذا الظلم يقع على الأئمة (من قِـبل البعض) في حياتهم إلى حين ارتحالهم إلى الرفيق الأعلى ؟؟
تكليفنا مع امتزاج عطر الولادة بكرامة الشهادة ، بأن نسعى لحضور مجالس أهل البيت (ع) والدعاء بتعجيل فرج قائمهم من آل محمد (ص) الإمام الثاني عشر .. المهدي المنتظر (عج) لفك تلك القيود المفروضة بمفاتيح الإمامة على يديه المباركتين.
نسألكم الدعاء ..
بقلم : أم سيد يوسف
بقلم : أم سيد يوسف